ابتسامة إلكترونية
ضاق صدرها بحزنها .. انقبضَت عروقها .. خُنقت أنفاسها .. مكبوتة لا تستطيع البوح لأيٍّ كان من البشر ، أطبقت على نفسها بين أربعة جدران معتمة تقترب من بعضها البعض في كل شهقة ، وسقف أصبح يردّ كلّ أمل أراد أن يهبط ويهدهد على صدرها .
تناولت هاتفها ، نقرت أرقامه بأناملها المرتجفة ، نسيت نفسها ، استفاقت على صوته : " حبيبتي .. أين أنت ؟ لم لا تجيبي ؟ " تمالكت أنفاسها وقالت له : " ها أنا هنا .. أنا أحتاجك .. أنا أريدك بجانبي .. هناك ما يطبق على أنفاسي وأتمنى وجودك هنا بجانبي " .
" أوه حسنا حبيبتي .. لا عليك .. بعد خمس ساعات سأتحدث معك عبر البريد الإلكتروني ، ارتاحي الآن ريتما أنهي عملي ، لأني مشغول جدا ولدي العديد من الاجتماعات لهذا اليوم "
أغلقت هاتفها ورمته خلفها ، كمرت نفسها في غطائها ، هبّت نسمة رياح أبعدت شيئا من الستارة عن الشباك ، فتغافلت ألسنة الشمس الشباكَ فتسللت إلى قسمات وجهها العابسة ، نهضت .. هبت كما الرّياح .. أحكمت إغلاق جميع النوافذ .. وعادت تعد الخمس ساعات الثانية تلو الثانية ، تتقلّب يمينا وشمالا ، تتمنى وجوده بجانبها ، لتحكي له وتشكي له ما جافاها في غيابه ، وماذا أحدثته الأيام في كيانها الذي بات يضمحل شيئا فشيئا .
حان الموعد الإلكتروني الذي سيجمعهما معا في جو رومانسي مليء بالإثارة ! فتحت بريدها الإلكتروني منذ ساعة قبل الموعد ، ظنّت بأنه إن أنهى عمله قبل الموعد سيحدثها ، بقيت تنتظر قدومه ، بقيت تنتظر وتنتظر إلى أن أتى وحلّ بعد ساعة !
" آسف حبيبتي .. الاجتماع ألهاني عنك ، هيّا أنا معك الآن .. تكلمي .. ماذا حصل بغيابي ؟ " ، أخذت تنخرط في نقر حروف لوحة مفاتيح حاسوبها لترسل له كلماتها وأحاسيسها ، كلماتها وأحاسيسها تنتقل برشاقة عبر الأسلاك والهواء بسرعة الضوء ؛ إذن فهي بذلك أسرع من مقدرة الإنسان على السرعة والإيصال ! بقيت تتكلم وتتكلم وتشكي وتزيح جبالا من الوهن عن صدرها ، استمرت ساعة من الزمن وهي تتكلم وحين فرغت من الحديث .. " حبيبتي لا عليك .. أنت قد فهمت الأمور بشكل خاطئ ، لم يقصدوا ذلك ، وأنا دائما سأبقى بجانبك ، لن أتركك مهما حصل .. حسنا عزيزتي .. أريد منك ابتسامة عريضة ، أريد روح أمل مشرق ، لا أريد أن أسمع حزنك ، هيّا اضحكي " .
فأكبت رأسها بقوة على حرف ( هـ ) في لوحة المفاتيح ، وانهمرت تبكي وتتأوه وتعول في البكاء ، بقيت تبكي حتى نفدت دموعها ، وأصبحت بالكاد تنحدر ، هي بكت بحرقة وألم وشاهدت دموعها كالحمم تتدفق من عيونها ، وهو شاهد ببريده الإلكتروني بسرعته على الإيصال ابتسامتها المشرقة التي زينت وأضاءة ثغرها !
بقلم : إياد عمر أبو عرقوب
بتاريخ : 27 / 8 / 2010
2 التعليقات:
روعةإياد ما شاء الله
محمد يوسف لك الشكر على مرورك (^_^) ..
إرسال تعليق