موجز في لغة الحياة
كتبت بتاريخ : 22 / 1 / 2007
يمضي يوم تلو يوم، وساعة تلو ساعة ، وها هي الأيام تمضي راسمة سطرا يحاكي ذكريات تصارعها حياتنا ، بمافيها جهلنا ومعرفتنا لها .
نحن نمزق بعض المبادئ، ونتنكر بين بعضها ، ونحب بعضها ، ونكره بعضها الآخر ، ولكننا أمام حقيقتها التي خلقتعليها متمردون .
نحن نتباهى بما ليسفينا ، ولا نضع كل شخص في مكانه الذي يناسبه ، وندعي الإنسانية وما كانت فينا يوما، وحقيقتنا التي تكمن خلف ذاتنا تحب نفسها ، فهي تحب الحياة لها والموت لغيرها ، ومنخرج عنها فهو الطاغي المفسد ، ويجب وضع البنان عليه كي يحيا تحت قانوننا .
في كل يوم نزداد حكمةبأن الحياة لا تسير كيفما نشاء ، فنحن فيها مسيرون ولسنا سائرين بإرادتنا ، وإننا سائرونوراء ما تشتهيه أنفسنا ، وهذا عيبنا الطاغي علينا وعلى غيرنا .
في كل يوم يولد صباحجديد لا نعلم بما ينتهي أو بما يبتدي ، ما نعلمه هو أننا سائرون فيه وإلى متى لا ندري.
وكلنا مسيرون بأقدارنا، بعضها يسرنا ، وبعضها الآخر لا يسرنا مطلقا ، والحكمة المرادة من خالقنا أن نسلمأنفسنا لهذه الأقدار لتكتمل مبادئ الدين الذي فرض لنا .
ذاك الشريف ما سلمطغيان عالمه ، فهو فيه كالنبي أيام قريش وأعوانهم ، فكلمة الشريف لها مقدار لا يتعدىكونها مكونة من عدد من الحروف .
ويفخر جاهلنا بأفعالهالتي تعيبه ، وما إن يعاب الشريف بأمر فعله خطأ حتى تجد سيرته قد ملأت الدنيا تعيباوازدراءً منه .
وما إن يتهم الخجولبأمر ما فعله مطلقا حتى تجد لسانه قد انعقد عن الكلام ، خجلا وتهيبا من الإتهام ، فيقال: هو المجرم ما استطاع الدفاع عن نفسه ، فأقيموا عليه ما أمرتكم به نفوسكم ، ويال أساهفقد ظهر بمظهر المجرم وما هو مجرم ، ولكن آفة الخجل قتلته .
وقد تسير في أرض علىغير هداك ، فإن سألك سائل : إلى أين مسلكك ؟ فتجيب : لا أعلم ، يكفيني أن أجدادي قدسلكوا هذا المسلك ، وأنا حفيدهم وسأسير على دربهم .
وها هنا جهلنا وتقليدناالأعمى يوقعنا فيحطمنا ، حتى لا نجد ما ندافع به عن أنفسنا ، ولا يبقى لنا سوى أن أجدادنافعلوا هذا ، وعلى هذا الأمر نجني على أنفسنا لجهلنا ما نقوم به .
بعضنا يسير في هذهالأرض رافعا رأسه ، لا يكلف نفسه أن يلقي نظرة لما بجانبه أو أسفله ، فهو سيد الأرضبلا منازع ولا مناقش .
وترى بعضنا الآخرماشيا بوقار . . مؤمن بخالقه وفطرته نحو ربه ، فتراه إن امرءً بادره السلام وعلى وجههتلألأت الإبتسامات في وجه أخيه ، فيحبب البشر فيه .
وترى آخرين يمشونفي طريقهم باسطي الأيدي يشعرون من يراهم بأن القوة والغلبة والسلطة لهم ، وما هم إلاأطياف أشخاص تحتمي خلف تصرفات أنفسهم ، لتردّ خوفهم الداخلي الذي يسكن نفوسهم مذ خلقوا.
وذاك الذي يستعبدالناس وما هو بخالقهم أما تذكر أنه ولد طفلا صغيرا يحتمي بوالديه ، أم أنه يزعم بأنهقد كبر وعظم شأنه .
وذاك الذي يحيا كأنبينه وبين الآخرين جبالا وأودية من الفروق يال حسرته في حياته ، وإن كان أعلاهم وأكبرهممنزلة ، فحياته ملؤها العذاب ، يشرب فيها كأس التعب والوحدة .
وذاك الذي ينشئ الحقدوالعداوى أما تعبت نفسك من أفعالك ؟
وذاك الذي يريد مننفسه أن تكون مكان الآخرين ألم يعطك الله شخصا يميزك عن غيرك ، ليكون لك طابع خاص بكتعرف به ؟
وذاك الذي تأتي الريحبه وتذهب به ، كيف لك أن تنقاد ولك عقل وقلب يفكر ويحس ؟
وهذا الذي عليَ قدره، ما عليَ إلا بطريقتين احداهما كونه بارعا ، وأخراهما تخلف مجتمعه .
وهذا الذي يحزن ،يبكي فيحتاج صحبه ليحكي لهم ما تساوره نفسه في غيابهم .
وفي طعنك لظهر أخيكوأنت توهمه ما يريده منك خيانة ، تجرح مكارم الأخلاق ، وكيف لنا أن نخون صديقا لطالمااعتبرنا الصديق الأعز لنفسه منذ أن ابتدأت الحكاية .
ونحن نرى جميعا أنزماننا الذي نحياه جميعنا في كل ثانية تمضي منه يقترب أكثر فأكثر من الهاوية ، ونحوالتراجع للخلف ، وهذه آفة الزمان مهما تألق وتجمل .
هنا . . في هذا الزماننرى أن الخداع والمكر هما وسيلتان يكتسب بهما الفرد حقوقه الغير مشروعة له ، مما يسببللشرفاء ضياعا في الحقوق واحباطا في المعنويات .
ونرى التعصبات القبليةوالعشائرية التي لطالما كانت تبرز تخلف فاعليها وجهلهم للحياة .
ونرى أيضا المبادئ الاجتماعية ففيها تخلد فكرة في أذهان البشر مبنية على فهمغير كامل للأمور التي فيها شرعية من الأديان السماوية .
وما إن يقع شجار بينالأبناء وآبائهم حتى يسرع الجميع بإلقاء لومهم وعتابهم على الأبناء ، غير مدركين منهو الصائب ومن هو المخطئ ، وإن قام الفتى يبين فعلته أمام أبويه قاما وسارعا بإعطائهدروسا تفيد معنى بر الوالدين ، فإن كان على حق أصبح مجرما في نظرهم ونظر الآخرين وغدامضطها ، فعيبهم الطاغي على على سلوكهم أخذهم مبادئ لا يطبقونها على حروفها مضافة ًإلى عدم عدلهم في جمع بيانات المشكلة .
في بعض الأحيان لايمكننا أن نغير من حياتنا شيئا ، وذلك حينما نوضع أمام أقدارنا . . نقف عاجزين عن تغييرها، وفي الوقت ذاته نشعر بأننا أضعف من أي وقت قد مضى علينا فنستسلم لهذه الأقدار . وماأعنفها من أقدار حينما تكون عكس رغبتنا . . في هذه الأحيان يجب علينا أن نستخدم حكمةالحياة لكي نبقى أحياء بالهيئة الطبيعية . وفي أحيان أخرى نجبر على أن نقوم بأعمالعكس عواطفنا ، يمكن لهذه الأعمال أن تخدم مصالحنا ، وربما لا ، وربما تخدم مصالحناولكن بالإكراه ، وربما العكس أيضا . وتكمن براعة الشخص حينما يجعل من شتى الظروف أسلبيةكانت أو إيجابية أن تلتف حول محور يحقق الاعتدال له . وفي أحيان أخرى يقوم الشخص بأمورهو نفسه لا يعرف لما يفعلها ، فهذا أدنى ما يمكن للمرء أن يفهمه إن سمحت له الفرصة.
هي حال الدنيا ؛ أسلافناجاؤوا قبلنا ، عاشوا . . أصلحوا في الأرض . . وبعضهم أفسد . . فرحلوا ، وهاهم أبناءبني الحاضر يدفعون ثمن مالم يصنعوه بأيديهم .
في هذه الحياة يستحيلوجود العدل وعدم الظلم ، فبعضنا يأخذ حقه وبعضنا لا يأخذه مطلقا ، ولكي نعيش ساكنيالأنفس لابدّ لنا من الرضا عن كل شيء يمضي فينتهي .
يعرف البارعون بسماتهموتضيع خلفهم أصوات البسطاء ، تاركة خلفها أرضا قاحلة وقفرة من الأمل والحياة في نفوسالبسطاء ، وتارة تجد أن البارعين أصابهم داء العظمة حينما يروا أنهم ملوك زمانهم ،وأن لهم أثرا في حياة الآخرين ، وتجد آخرين ما مسّت العظمة شيئا في نفوسهم ، يزينهمالتواضع وفيه أثر على البسطاء .
وللشعراء حياتهم فهمبني المتألمين ، يتألمون ألمين ؛ ألم كألم بني آدم ، وألم فيه شخص الشاعر وقلمه حينمايواجهان الحياة .
وفي الصداقة حياةلمن أراد الحياة ، وفيها كنز ما ساواه كنز ، فهي تغني عن العيش الرغيد ، وفيها مواساةلجرح الأحباب .
وفي العشق داء لجميعالأنفس ، وفيه سحق للمعنويات واعتزال للحريات، وفي بعضه الآخر تجديد للحياة وانعاش للأنفس ، وتأديب في الخلق ، وثقل يحفظ مالكهويصون له سمعته .
وفي مكارم الأخلاقلحلاوة تعلو كل ما هو جميل ، وتزين كل ما هو قبيح .
وما بعث رسولنا إلالإتمام مكارم الأخلاق ودعم الإنسانية ، كي تسلك طريقها نحو الهداية ونبذ الضلالة .
وما أجمل من فتى ذوعلم وثقافة ، تزينه آدابه وتستره مكارم أخلاقه ، فذا يعيش مستور الحال غير مهان فيكرمته ، يجد من يحبهم أمامه فلا يلومه لائم ، ولا يهجوه هاج ٍ .
ومن أسدي أمانة فحفظهاوصانها كما تصان الأنفس الطاهرة فيا بشره من ذكره حينما يذكر الصوالح .
وخير الأصدقاء منصدق قوله ، وستر حال صديقه حينما يذكر بسوء ، فاعلم ! أنه هو الصديق المخلص .
ما كان لأوقات الفراغسوى أن ترفه من يود الترفه لضيق عيشه ، وزيادتها كانت داءً للعظماء تسبب ضيقا في أنفسهموألما حادا لهم .
وللحياة مع الطبيعةأثر في نفوس البشر حينما يمضون فيها أمتع الأوقات ، تحت سماء زرقاء على أرض عشبية بجانبهابحيرات وشلالات .
لا شيء يدعو للهمفي حياتنا ، فنحن نجري في هذه الحياة مثلما كتب لنا في أقدارنا .
فنحن نحزن ونفرح ونضحكونبكي ، وبعضنا يتألم ، ولكن الحياة مستمرة مهما حصل ، فانظر للأفق مهما تعقدت الحياة.
فلولا ثمرة ألم علىجبين تعب ، ولولا دمعة أسفل عين تبكي ، لما عرف طعم السعادة إنسان يحيا ، فمن مجهولالأيام تأتي العبر ، ومن ذكرى الأيام تأتي المودة ، وعلى محاسنهما ترنم في جداول الحياة، حتى تطرب من لا طرب له ، فالأفق فيه ميلاد لحياة جديدة ، والأمس فيه مدفن ما قد مضى، ودع الأمل وليد قلبك ولو كنت على حافة قبرك .
نحن البشرية التيتحب الحياة حينما تعطينا كل ما يفرحنا ، ونكرهها حينما لا تعطينا ما يفرحنا ، ونحنالذين لم نفكر بأن نحب الحياة ولو لمرة واحدة إن لم تعطينا ما يفرحنا .
وحزننا وفرحنا وتجاربناتفتح لنا الباب حتى نحتسي من الحكمة .
ولا تضيق ذرعا منحياتك ، فالغد فيه ما يفرح وإن خفي عنا ، والأمس . . هو يهون في نفوسنا عما في الغدوإن علم مكنونه .
والزمان فيه أيامهفتصفح . . وانتقي منه ما أعجبتك سيرته ، كي ترويه لمن يقدر حقه .
يا من يشتهي العذابلنفسه ، أما كفت يداك عن فعلتهما ، ففيك عذاب لنفسك فكيف لغيرك ؟
يا من تحيا على موتغيرك ، ماذا لك أن تقول لو كنت تعاني كما يعاني هؤلاء ؟
يا من يأكل مال غيره، ماذا تقول لو أن المال مالك ؟
يا من يطغو في ديارنا، ماذا لو أن الديار ديارك ؟
يا من يحرمنا حقنابخداعه وغشه ، ماذا لو كنت مكاننا ، أكانت ستسرك حالنا ؟
يا من يستغل الناسمتاجرة ، كيف لك لا تشعر بما تفعله ؟
يا من يفسد حياتنا، أليس لك حياة لا تحب افسادها ؟
فكلكم الشر يسكنكم، فنما فيكم ، فسيطر عليكم .
قلوبنا ضجرت بكم وأنتملا تضجرون ، أما آن لكم أن ترتحلوا من أسطر حياتنا لنعيد كتابتها ؟
وفي كلا الحالات فإن الدهر يسير على نهج ما تغيرمذ بان ، فنهجه صراع بين الخير والشر ، تأزم في الحياة ، وفرج مهما طال به الزمن ،وعلى هذا فإن للإنسان دور سواء أكان يمثل الخير أم الشر ، يتمثل في إدراكه أن قوى الخيرالمستمدة من الإلاهية الخالقة للكون ستنتصر ، تاركة خلفها جنودا إبليسية دنسها طغيانالبشرية الإبليسية .
وقد ظهرت أول حكايةمن حكايات الطغيان البشرية منذ أن سكن الستة سطح الأرض لأول مرة ، فرأينا كيف استولتالقوى الشريرة على قلب قابيل حتى مكنته من قتل أخيه هابيل .
وهكذا . . فإننا لسناأول من عانى من صراع الخير والشر ، فهذا قد تجسد منذ العديد من القرون التي مضت .
وهذا هو الزمان هويعيد ذاته ، لا يقدم شيئا جديدا ولا يؤخر ، ما قد سلف هو ما سيأتي ، وحين ينتصر الخيرالانتصار التام تكون حياة بني البشر قد شارفت على الانتهاء لتستقبل يوم الحساب الذيوعدنا به من قبل إلاهنا قبل خلقنا .
وعليه فإننا سنجدمن يضايقنا في كل طريق نطرقه ، وفي كل وجهة نتجه لها .
0 التعليقات:
إرسال تعليق