أهلا ومرحبا بكم زواري الأعزاء في مدونتي الشخصية الحلم الباقي ..

تنبيه !!
عذرا على انقطاعي عن المدونة والذي كان بسبب تحضيري لمدونتي الجديدة
فلقد تمّ انتقال المدونة من نظام بلوجر إلى نظام وورد بريس ..
وهذا هو العنوان ..
وأشكر لكم تواصلكم معي..

01‏/04‏/2010

انسحاب بصمت


انسحاب بصمت
كتبت بتاريخ : 9 / 1 / 2010

          حينرآها لأول مرة سرقت قلبه ، سافرت كل أحاسيسه وكل ذرة من وجدانه نحوها ، أحبها كأي شخصيرى فتاة ويعجب بها ، أصبح متيما كثيرا بها ، لدرجة أنه كان دائما يحاول أن يراها أكثرقدر ممكن من المرات ، بدأت الحياة تأخذ مجرى جديدا بالنسبة له ، لم يعد ذاك الفتى المتهورالمعهود ، أصبح في كل يوم يتعلم شيئا جديدا يضيفه لقواميس حياته ، ويتحول لشاب أكثررزانة ، وكيف هذا وهو يتعلم من أعظم مدرسة عرفها التاريخ . . مدرسة الحب !

          حينينظر إليها كل صباح من بعيد يشعر بسعادة لها نوعها الخاص ، إنها السعادة التي تصيبهحين يرى من دقت أبواب قلبه ، لكن سرعان ما يحزن حين يرى أنه لا يمتلك الجرأة لأن يتحدثمعها ، كل يوم يعقد العزم على التحدث معها لكن حين يقف أمامها ينتابه الخوف المعروف. . إن كان في لسانه بعض الحروف يشكل بها بعض الكلمات ليقولها فإنها تتبعثر كلها .. ولا يبقى منها أي شيء ، النظرات تتحول باتجاه الأرض ، حتى الوجه تظهر عليه ملامحالخجل ، هذا ما يبدو ظاهريا . . لكن الأسوء هو ما يشعر به داخل نفسه . . التلبك .. الخوف . . الخجل . . الكثير والكثير . . .

          لكنسرعان ما ينتابه الاحباط ، فيميل بظهره وعيونه حزينة ، فهي عاجزة عن اخبار من تحب بحبهاالعظيم له ، كلما خطا خطوة يلتفت وراءه حتى يراها بينما تتوارا عن أنظار عينيه ، يعودحزينا ليفكر ماذا سيفعل غدا ، لكن يبدو بأنها تخطيطات فاشلة نحو مشروع التحدث معها. . ولا بأس في هذا فكل العشاق لهم الحكاية نفسها . . ما الحب إلا مهنة تشتهي تعذيبالإنسان .

          صدفةجميلة تجمعه بفتاة أحلامه في مكان يسهل عليه أن يتحدث معها ، يتمالك كل شجاعته ليقفأمامها ليتحدث معها . . بالنسبة له الطاقة اللازمة لأن يختزنها بجسده وقلبه حتى يتحدثمعها تكفي لأن تحطم جبلا منيعا وتنثره لفتات ، وقف أمامها بصمت تام . . قدماه ترتعشانخوفا . . قلبه مغمور في بحيرة الخوف . . عينه تتردد بين النظر في الأرض والنظر في عينيها. . ويال جرأته فقد نطقها . . نطقها بصوت متردد يشوبه الخوف والتلعثم والارتباك .. جمع تلك الحروف المتناثرة ونطقها . . " إنـي أحبـك " .. وأخيرا قالها . . لكنه الآن لا يعرف كلمة أخرى يقولها . . يكفي ما قاله اليوم فقدتعب في القاء المحاضرة لهذا اليوم و بحّ صوته ، لكن الفتاة . . لم نعرف ردة فعلها بعد.

          احمرّوجهها وتلعثمت ، " ابتعد عنّي . . لا تكلمني مرة أخرى . . ابتعد وإلا قلتلأخي " وظلت تركض نحو طريق منزلها وهي تبكي بشدة ، هذا الشاب كما لو أنهلوح زجاجي . . فقد سقط أرضا وصار فتاتا متناثرا . . تحطم لما شاهده . . فقد بنى حياتهعلى وهم . . الحزن صار له رفيقا . . تنحّى عن الحياة وصار عشيقا للعزلة والبكاء .. دموع من شدة حرارة حرقتها وجرحها الأليم تحرق خديه بسخونتها ، فهي تحمل في تكويناتهاحقدا على الحياة ، وكرها شديدا لمجرياتها ، وتذمرا دائما من حياة أصبح يرى بأنها ليستإلا واقعا ماديا . . لكن . . لم كانت تبكي حين قال لها بأنه يحبها ؟

          حارفي البحث عن هذه الإجابة ، وعن الإبحار في عالم الشك والغموض في الوقت الذي كان يرىفيه أنها لا تبعد سهام نظراتها عنه ، في كل مرة يراها يقرأ الحزن في عينيها . . لكنلا يستطيع الوصول لطريقة لفك الشيفرة التي ترسلها له بنظراتها ، لطالما كان يشعر بأنهاتريد اخباره بشيء ما لكن لا تستطيع وتفضل الهروب منه .

          أدركبأنه لن يستطيع الوصول لها في يوم من الأيام ، فهي ربما ليست أكثر من سطر وهمي في كتابيعنى بالحقائق المادية ، لذا فقد حاول اقناع نفسه بمحاولة نسيانها ، ليس أمرا سهلابالنسبة له ، إذ أنه صعب . . صعب للغاية . . كيف ينسى هذه الفتاة . . كيف ينسى نظراتها. . حركاتها . . ابتساماتها . . همساتها . . . إنها صعبة . . لكنه سعى نحو ذلك ، بقييتلاشاها تدريجيا ، وبعد نصف سنة لم تعد له تلك العزيمة المعهودة لرؤيتها .

          كانيشعر بقمة الضعف عندما يأتيه الشوق والحنين لحبه الراحل فتذرف عيناه الدموع ، أو حينيكون واقفا بمقربة منها وينظر إليها ، كان يبكي بحرقة زمنا غابرا أراده أن يكون دربهبمن رسم حياته به ، لكن الحياة في بعض الأحيان لا تعطي الإنسان ما يريد . . وإن أعطتهفربما تعطيه ما أراد لكن بعد فوات الأوان . . لتكون حياته كلها مؤرخة بذكريات حزينةتشتهي العذاب لقلبه حين يتذكر ماضيه . . خاصة حين يبدأ بتوجيه اللوم والعتاب لنفسه. . لم فعلت ؟ لمَ لمْ أفعل ؟ كان عليّ القيام بـ . . ما كان عليّ أن . . .

          مرّتعليه الآن سنتان وهو يبدو عليه أنه متناسيها ، لطالما شعر بأنه لن يحب بعدها فتاة أخرى، ولو أحب فإن حبه لن يكون بالقدر نفسه الذي منحه لهذه الفتاة ، فهي حبه الأول ، حياتهفي تصوراته كلها مبنية على هذه الفتاة ، فهو ليس من السهل عليه أن ينسى ، وخاصة أنقصته أخذت بمجراها سنينا من الزمن ، عندما يأتيه الشوق لها يمر من جوار منزلها ليلامخافة أن يراه أحد اخوتها فربما تكون هذه الفتاة قد أخبرت أهلها بأنه أراد التحدث معها. . فينظر لمنزلها . . ينظر لنافذة غرفتها . . ثم يخفض رأسه ويميل به لناحية أخرى ويكملالمسير نحو منزله ، حاملا في صدره مشاعر الحزن والأسى والحرقة والحرمان التي في كلليلة تزداد لهيبا في صدره كلما تذكر نظراتها التي لطالما سرقت قلبه وعقله ، هو ضعيفمعها لكن في بعدها عنه يزداد ضعفا ، ليكون جريح الزمن بها ، لكن ما كان يدفعه لتتبعهاورؤيتها أنه مازال لديه بصيص أمل يلتمس فيه أدراك قلب هذه الفتاة ، فما عادت هذه الذكرياتسوى مخيلات تتفنن في احراق قلبه الباكي لكن في الوقت نفسه كانت تعطيه الأمل في بعضالأحيان لأن يبقى حولها ولا يضيعها من يده ويرحل بعيدا عنها ، وعلى هذا الأمل بقي حيا.

          يسيرفي هذا الطريق الذي اعتاد أن يسلكه حين يتوجه لجامعته . . ثم . .  تداهمه حافلة مسرعة باتجاهه . . دفعة قوية دفع بهالتصطدم الحافلة بمن دفعه بشدة . . ينظر خلفه وسط الخوف والرهبة الشديدة التي حلت بهليرى بمن اصطدمت هذه الحافلة . . " مستحيل ! " . . لقد كانتصدمة عظيمة له . . " لم فعلتِ هذا ؟ لم ؟ " . . فكانت الاجابةبصوت متألم : " لم أكن أستطيع أن أراك تموت أمام عيني من دون أن أستطيعانقاذك " . . كلمات سمعها فوضعت كل معاني الدهشة داخل صدره وسط الحيرةالتي كبلت يديه دون أن يستطيع قول شيءٍ لها . . ثم نظرت في عينيه نظرة عميقة . . فقالت: " أحبك " ثم أغمضت عينيها . . لقد رحلت . . رحلت للأبد. . لقد ماتت بين ذراعيه . . ضحّت بنفسها . . ماتت ليعيش . . أجل لقد كانت هي . . الفتاةالتي عشقها منذ سنين .

          رجعلمنزله . . يمشي مشية متمايلة . . كل شيء بناه ضاع في لمحة عين وبشكل شديد القسوة. . الموقف الذي حصل له صدمه صدمة قوية لأبعد الحدود . . لم ينطق كلمة واحد فقد عقدلسانه عن الكلام . . عندما كان بمقربة من منزله ألقا عليه جاره السلام ولم يجب . .وسارعت أمه أمامه لترى ما خطبه . . فوجهه يبدو عليه التلون والذهول والصدمة . . أمسكتبه تهزه بشدة من طفح الكيل وخوفها عليه . . " ماذا حصل ؟ ما بك ؟ تكلملم انت صامت ؟ " وقف لثواني . . ثم إذ به ينهار كجدار عظيم ليسقط ممدداعلى الأرض . . هرعت الناس حوله ثم نقلوه إلى المشفى . . تبين أنه أصيب بانهيار عصبيمن نوع شديد . . أفاق من سباته بعد مضي ثلاثة أيام على الحادثة . . نهض واجتمع حولهالكل بلهفة له . . حامدين الله على أنه استيقض من غيبوبته . . لكن لم يتكلم . . حاولوامعه لكنه لم يستطع التكلم . . أحد أصدقاءه طلب من الجميع أن يخرجوا ليبقى معه علّهيستطيع استنطاقه  وسحب الكلام منه . . قال له: " ماذا حصل معك . . تعرف أنني أعرف كل شيء عنك . . هل حصل معك شيء معتلك الفتاة ؟ " انفجر باكيا . . يبكي بكاءً مريرا يحمل في تنهيداته حزناعظيما لم يشهده صديقه فيه يوما . . حار صديقه في ما سيفعله . . " قل ليماذا جرى ؟ " فيجيب باكيا : " لقد رحلت . . لقد ماتت . . ماتتبين يدي وهي تحاول انقاذي من الموت . . صدمتها الحافلة . . لقد ظلمتها كرهتها وحاولتالابتعاد عنها وهي تحبني . . كم أنا أناني " . . ينظر له بدهشة واستغرابفيضمه بشدة لصدره فيقول " ابك يا صديقي . . ابك . . ليس لك اليوم غير الدمعمهونا لك . . ابك يا صديقي . . لم أتخيل في يوم من الأيام أن يحصل مثل هذا الشيء معك. . لم هذه الدنيا هكذا معك ؟ ماذا فعلت لها حتى تكرهك لهذه الدرجة ؟ "فيقف فيشد على كتفيه . . ثم ينظر إلى صديقه الذي هو عبارة عن حطامة محترقة تسمع فيهاصوت التنهدات الحزينة فتدمع عيناه لهذا المشهد الذي حل بصديقه . .

          يخرجلوالديه وعليه قسمات الحزن جليه عليه ، لا يعرف كيف سيخبرهم ، هم لا يعرفون شيئا عنهذه الفتاة وعن قصة ابنهما معها . . لكنه وجد طريقة فأخبرهم بما حل بإبنهما ، لم يكنلها غير دعاء الله بأن يفرج هم وحزن ابنهما .

          تماثلللشفاء وخرج من المشفى ، لكن حزنه ما زال سكين قلبه وصدره ، حين يتذكر ذاك الموقف المشؤوميزداد حزنا وبؤسا وألما . . فكل ذرة فيه تلومه لأنه لم يحسن الحصول عليها ولم يعلملم كانت تهرب منه ، أقيم العزاء لهذه الفتاة ، فذهب أهل الشاب وأقاربه للعزاء فليسمن المعقول أن لا يذهبوا فقد أنقذت حياة ابنهم ، لكن عائلة الفتاة بقية عاجزة عن معرفةالسبب الذي دفع ابنتهم للقيام بمثل هذا الموقف ، حزنهم كان عظيما لفقدان ابنتهم الغالية، لكن ما كان لهم غير الصبر .

          بينماكانت اخت الفتاة ترتب احدى غرف منزل عائلتهم فإذ بها تجد دفترا كبيرا داخل احدى الخزانات، لقد كان دفترا كانت اختها تدون مذكراتها فيه ، قرأت ما وجدت فيه فتفاجأت عن السرالذي أخفته اختها داخل صدرها مدة سنين ، فحملت الدفتر لذاك الشاب وجعلته يقرأ ما فيه، لقد جاء فيه : " أحببت ذاك الشاب منذ رأيته . . أعجبني وأسر قلبي .. لم أستطع أن أزيله من ذاكرتي . . رسمته في كل صورة تخيلتها وتمنيت أن يعيش كل حياتهبسعادة وهناء ، لكني أعرف بأنني مريضة . . والكل يخفي عني أمر مرضي . . وأنه لا يرجىشفائي . . لذا فأنا لن أجعل هذا الشاب اللطيف الذي أحبني أن يتعذبي بسببي . . سأجعلهينساني . . أفضل له من أن يتعلق بي وأرحل في وقت قريب . . لا أريد أن أعذب قلبه الحنون. . فإني أحبه . . أجل أحبه " ، جعلته هذه الكلمات يبكي ويتذكرها بكل حرفقرأه ، لا يعرف لم فعلت هذا لو اخبرته لوجد لها طريقة لعلاجها ، لكنها فضلت الانسحاببصمت كي لا تكون سببا في حزن هذا الشاب الذي أعجبت به وأحبته .

          حينيأتي لقبرها يجلس بجواره ، فيلمس القبر ويمسحه بيديه ، فيقول : " سامحكالله . . لم فعلت هذا لو أخبرتني ما بك لكان أفضل . . أردت أن أكون بجوارك لكن ليسبهذه الطريقة . . أردت أن نعيش معا في بيت واحد نجتمع فيه على المحبة والمودة . . لكنالحزن لابد له أن يكون طريقا ومسلكا في كل حكاية من حكاياتي . . اعتدت الحزن في حيايتيفما عاد شيئا جديدا بالنسبة لي فقد جربت أشد أنواع الحزن قسوة . . لكنني مدين لك بالغاليفقد أنقذتي حياتي ، آه . . لو قلت لي بأنك تحبينني . . أه . . لو قلتها ".

          بقيعلى ذكرى الفتاة التي سكنت قلبه ، وأبى أن يتزوج اطلاقا ، كل يوم يمر على القبر ويجلبالزهور لهذا القبر ، لكن الحزن لم يخف عنه يوما ، إذ أنه مازال رفيق دربه . . وأخيراها قد أثبت الحب الصادق والحقيقي أنه يغلب جميع الأمور . . ويكون عنوانا بخط عريض لأعظمالتضحيات في سبيل أن يحيا الطرف الآخر .

Share/Bookmark

0 التعليقات:

إرسال تعليق

احصائيات الزوار الكرام ..

=====================================